جوهر الدعوة المحمدية
جوهر الدعوة المحمدية
كانت رسالة محمد عليه الصلاة والسلام عقلية وروحية ، أساسها الدعوة إلى الحق والخيروالجمال ، دعوة مُجَرَّدة فى بَدئها وغايتها ، وقد تأخذالقارئ الدهشة إذا ذكر مابين دعوة محمد والطريقة العِلمِيَّة الحديثة من شبه قوِى ، فهذه الطريقة العملية تقتضيك إذا أردت بحثا أن تمحو من نفسك كل رأى وكل عقيدة سايقة وأن تبدأ بالملاحظة والتجربة ثم بالموازنة والترتيب ثم بالإستنباط القائم على المقدمات العِلمية . فإذا وصلت إلى نتيجة من ذلك كانت نتيجة علمية خاضعة بطبيعة الحال للبحث والتمحيص ؛ ولكنها تظل علمية ما لم يثبت البحث العلمى تسرّب الخطأ إلى ناحية من نواحيها ، وهذه الطريقة العلميةهى أسمى ما وصلت إليه الإنسانية فى سبيل تحرير الفِكر، وها هى ذى مع ذلك طريقة محمد صلى الله عليه وسلم دعوته ، فكيف اقتنع الذين اتبعوه بدعوته وآمنوا به؟ نزعوا من نفوسهم كل عقيدة سابقة وبدءوا يُفكرون فيما أمامهم .لقد كان لكل قبيلة من قبائل العرب صنم.فأى صنم هو الحق وأى صنم هو الباطل ؟ وكان فى بلاد العرب وفى البلاد التى تجاورها صابئة ومجوس يعبدون النار، وكان فيها الذين يعبدون الشمس فأىّ هؤلاء على الحق ، وأيُّهم على الباطل ؟ لنَذَرْ هذا كله إذا ًجانبا ً، ولنمح أثره من نفوسنا ، ولنتجرد من كل رأى وعقيدة سابفة ولننظر.والنظر والملاحظة بطبيعة الحال سِيّان . ومما لاشبهة فيه أن لكل موجود بسائر الموجودات إتصالا ً؛ فالإنسان تتصل قبائله بعضها ببعض وأممه بعضها ببعض .والإنسان يتصل بالحيوان والجماد. وأرضنا تتصل بالشمس وبالقمر ويسائر الأفلاك . وذلك كله يتصل فى سُنن مطَّردة لاتحويل لها ولاتبديل .لا الشمس ينبغى لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار. ولو أن إحدى موجودات الكون تحوَّل لتبدَّل ما فى الكون . فلو أن الشمس لم تمُدّ الأرض بالضوء والحرارة ،على السُنّة التى تجرى عليها من ملايين السنين ، لتبدَّلت الأرض غير الأرض والسماء . وما دام ذلك لم يحدث ، فلا بد من لهذا الكون خالق يُمسكه ، منه نشأ ، وعنه تطوَّر، وإليه يعود . هذا الخالق وحده هو الذى يجب أن يخضع له الإنسان. أمَّا سائرما فى الكون فهو خاضع لهذا الخالق العظيم كالإتسان سواء.والإنسان والكون والزمان والمكان وحدة ، وهذا الخالق جوهرها ومصدرها. وإذا ًفلتكن لهذا الخالق وحده العبادة. ولهذا الخالق يجب أن تتجه القلوب والأفئدة . وفى الكون يجب أن نلتمس من طريق النظر والتأمل سُنته الخالدة. وإذا ًفما يعبد الناس من دون الله أصناما ًوملوكا ً وفراعنة ونارا ًوشمسا ًإنما هو وهْمٌ باطل غيرجدير بالكرامة الإنسانية ، ولاهو يتفق مع عقل الإنسان وما كرّم به من القدرة على إستنباط سًنَّة الله من طريق النظر فى خلقه .
هذا جوهر الدعوة المحمدية على ماعرفها المسلمون الأولون . وقدأبلغهم الوحى إياها على لسان محمد صلى الله عليه وسلم فى آى من البلاغة كانت ولن تزال معجزة ، فجمع لهم بذلك بين الحق وتصويره فى كمال جماله.وهناك ارتقت نفوسهم وسَمَت قلوبهم تريد الإتصال بهذ الخالق الكربم ، فهداهم صلوات الله عليه إلى أن الخيرهو طريق الوصول . وأنهم مَجزيُّن عن هذا الخيريوم يُتمون واجبهم فى الحياة بالتقوى ، يوم تُجزى كل نفس بما كسبت(فمن بعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره) الزلزلة 7،8 .
أىُّ سموّ بالعقل الإنساتى أعظم من هذا السُّمُو ! وأى تحطيم لقيوده أشدُّ من هذا التحطيم !! حسبُ الإنسان أن يفهم هذا وأن يؤمن به وأن يعمل عليه ليبلغ الذروة من مراتب الإنسان . وفى سبيل هذه المكانة تهون كل تضحية على من يؤمن بها .